نـــــــار الحـــــــب
منتديات نار الحب ترحب بكم وتتمنى لكم قضاء وقتا ممتعا
نـــــــار الحـــــــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى ثقافى - منتدى علمى - ترفيهى - اخبارى -أدبى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
ترحب ادارة منتيات نار الحب بالأعضاء الجدد والزوار ونتمنى ان نكون عند حسن ظن الجميع بتفاعلكم معنا

 

  الشعر الاندلسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
red rose
المشرف العام
المشرف العام
red rose



 الشعر  الاندلسي  Empty
مُساهمةموضوع: الشعر الاندلسي     الشعر  الاندلسي  I_icon_minitimeالثلاثاء 20 يوليو 2010 - 13:03

الشعر الأندلسي في طلائع الدراسات العربية عن الأندلس (تواريخ الأدب العربي) - د.أحمد عبد القادر صلاحية




لم تكن أوائل تواريخ الأدب العربي تفرد الأدب الأندلسي بجزء خاص من تأليفها بل كانت تدمجه في ثنايا الأدب العباسي وتشير إليه إشارات يسيرة في أثنائه، والمثال الأوضح على ذلك كتاب:"تاريخ آداب اللغة العربية"، للأستاذ جرجي زيدان.‏



من أوائل التواريخ الأدبية تأليفاً التي جعلت للأدب الأندلسي مساحة من أسفارها كتاب:"تاريخ آداب العرب" للأستاذ مصطفى صادق الرافعي الذي ألفه نحو 1912، ومع أن المنية قد اخترمت المؤلف قبل إنهائه وتنقيحه، ومع سقوط أوراق من مسودته التي أخرجها إلى النور الأستاذ محمد سعيد العريان، ومع كونه من رواد من ولج هذا الميدان فإني أعد ما كتبه أفضل ماكتب عن الأدب الأندلسي في تواريخ الأدب العربي إلى الآن؛ نظراً إلى رؤيته الشمولية الثاقبة وأحكامه المنصفة واستيعابه الواسع بالقياس إلى عصره وإلى كمية المصادر المطبوعة والمتاحة في ذلك الوقت عن "الفرع الفينان من الحضارة العربية"(1) كا يسميه الأستاذ الرافعي، ومنذ البداية يقرر اعتلاء الأدب الأندلسي مرتبة سامقة لا يعلوها سوى الأدب العراقي في تاريخ الأدب العربي، ومع ذلك فإن الأندلس تتميز في بعض المجالات من العراق، يقول: "إن الأدب الأندلسي لا يبزه في التاريخ إلا الأدب العراقي، ولقد يكون في الأندلس ما ليس في العراق من بعض فروع الحضارة والصناعة غير الفرق مابين الموطنين في زينة الطبيعة ونضارة الإقليم".(2)‏



ولعل الرافعي هو الأول والأعظم من بين مؤرخي الأدب الأندلسي في تمييز نسيج الشعر الأندلسي من سواه من نسج أشعار الأقطار العربية بفراسته الشعرية الدقيقة بل يرد على من لا يفرق بينهما ويتهمه بالجهل والسطحية والاهتمام بالقشور وترك اللباب، يقول: "لقد يخطئ من يزعم أن شعرالأندلسيين يغيب في سواد(3) غيره من شعر الأقاليم الأخرى كالعراق والشام والحجاز بحيث يشتبه النسيج وتلتحم الديباجة وذلك زعم من لايعرف الشعر إلا بأوزانه ولا يميز غير ظاهره".(4)‏



ومن ثم يشخص خصائص الشعر الأندلسي وسماته ومزاياه بمسبر ثاقب فيكون الخيال في رأس قائمة هذه المزايا، وكذلك المعاني المبتكرة والموسيقى الساحرة ويذكر أهم بواعثها من حضارة جديدة وطبيعة خلابة، ويورد أهم أدواتها وهي إحكام التشبيه وبراعة الوصف بوصفهما جوهر الشعر، يقول: "يمتاز شعر فحول الأندلس بتجسيم الخيال النحيف وإحاطته بالمعاني المبتكرة التي توحي بها الحضارة، والتصرف في أرق فنون القول واختيار الألفاظ التي تكون مادة لتصوير الطبيعة وإبداعها في جمل وعبارات تخرج بطبيعتها كأنها التوقيع الموسيقي... ومن أجل ذلك أحكموا التشبيه وبرعوا في الوصف لأنهما عنصران لا زمان في تركيب هذه الفلسفة الروحية التي هي الشعر الطبيعي"(5).‏



يختلف هذا القول كثيراً عن أقوال بعض المستشرقين في تعليل اهتمام الشعراء الأندلسيين بالخيال فبينما جعلوا من روعة الخيال كَلاً على الشعر وثقلاً على صدره، وغلظة تذهب رونق الشعر إذ بالأستاذ الرافعي يجعل ذلك شيئاً لازماً لازباً ضرورياً في مكونات الشعر الحقيقي وفي الفلسفة الشعرية الروحية للأندلسيين. وقد تفرد الأستاذ الرافعي بوصف الخيال الشعري الأندلسي بالنحافة قاصداً امتزاج الخيال بالرقة مضيفاً إليه التجسيم أي كثرة اهتمام الشعراء الأندلسيين بتشخيص الجمادات وأشباهها وتجسيدها؛ كل ذلك بوحي من الحضارة الجديدة الغنية.‏



لا يكتفي المؤلف بتبيان سمات الشعر الأندلسي التي قد يشركه فيها شطر من الشعر العربي، فليست الرقة والخيال البديع والموسيقى العذبة مقصورة على الشعر الأندلسي، لذلك يدقق في الفوارق الجزئية من دون حماسة جارفة أو ميل إلى الشعر الأندلسي بل على العكس من ذلك إذ يحاول تلمس الموضوعية وإن لم يخل أسلوبه في التعبير من الإنشائية وأحكامه من الرومانسية الحالمة، يقول: "وقد يشاركهم في كثير من ذلك شعراء الشام، ولكنّ رقة هؤلاء عربية مصفاة وبذلك امتازوا على عرب الحجاز والعراق فهم لا يهولون بالألفاظ المقعقعة ولا يغالون في فخامة التركيب ولكن لا يستقبلك في شعرهم ما يستقبلك في شعر الأندلسيين من الشعور الروحي الذي لا سبيل إلى تصويره بالألفاظ والذين تتبين معه أن الفرق بين الخيالين كأنه الفرق بين البلادين في التبعية والاستقلال، وليس يدل على ما قدمناه على أن شعر فحول الأندلسيين ممتاز على إطلاقه وأن غيره لا يمتاز عليه بل الأمر في ذلك كالجمال: كل أنواعه حسن رائع ولكن النحافة اللينة منه تستدعي-مع الإعجاب- رقة؛ هي بعينها التي يجدها من يتدبر ذلك الشعر"(6).‏



إن أحكام الأستاذ الرافعي لا تخرج عن الانطباع الذاتي الصادر عن فراسة صيرفي خبير وهي-على أهميتها- لم تسلك الأسلوب المنهجي في البحث والاستنتاج والتقويم، لذلك كانت نتائجها تهوّم في الخيال وتستعصي على التعبير فقارئ الشعر الأندلسي يشعر بشعور روحي كالعشق لا يوصف و"لاسبيل إلى تصويره بالألفاظ"، ومن ثم فالشعر الأندلسي ضرب من الجمال -وليس الملاحة- يتصف بالنحافة، وهذه النحافة ليست سقماً وعظاماً ناتئة بل رشاقة وبضاضة وليونة محببة لا يقتصر رائيها على الإعجاب بها؛ بل يخالطه رقة وحنين إلى الفردوس المفقود.‏



وألف الأستاذ أحمد الإسكندري غير كتاب في تاريخ الأدب العربي، فإذا كان في "وسيطه" لم يفرد الأدب الأندلسي عن الأدب العباسي فإنه أفرد للأندلس شطراً من تاريخه الذي يسميه: "تاريخ آداب اللغة العربية في الأندلس والدول المتتابعة من زوال الدولة العباسية إلى الآن" أي إلى عام 1927. وفي هذا الكتاب آراء عامة عن الأدب الأندلسي، يحالف بعضها الصواب ويجانب بعضها السداد، وتنقصها الشواهد لقلة المصادر ويشوبها التناقض فهو طالما جمع بين جنوح الخيال الأندلسي إلى الإبداع وأنه لم يخرج من إطار الشعر المشرقي أو إساره، يقول: "كانت معاني اللغة وتصوراتها وأخيلتها في العصر الأول عربية النزعة بدوية الشكل ممتزجة بالعقائد الإسلامية، ثم تنوعت في العصر الثاني بتنوع العلوم وأشكال الحضارة في صور شتى إلا أنها لم تخرج في الجملة عن دائرة الفكر العربي الإسلامي فتجانفت(7) عن تعمقات الفلاسفة، وتغلغل أهل المنطق والجدل، وتهويل الفرس وإغراقهم كما كان الشان في المشرق بل كانت المعاني الفكرية نهاية في الصراحة، والخيال غاية في الجمال والرقة، ثم سارت المعاني في الطريق التي سلكتها أغراض اللغة في العصور التالية"(Cool.‏



ثم يؤكد -في مكان آخر- تقليد الأندلس للمشرق في الشعر عامة ظاهراً وباطناً يقول: "وإذا نظرنا إلى خواص الشعر الأندلسي من حيث طريقة نظمه وأغراضه ومعانيه ولفظه وأسلوبه وجدناه جارياً-في الجملة في العصور المختلفة- على نحو ما كان عليه في المشرق إلا في بعض أمور زادوا فيها على المشارقة وإن لم تخرج عليهم بالمرة"(9).‏



لكم وددتُ أن تكون هذه الأمور المحدودة تتعلق بجوهر الشعر وأسلوبه وجزئياته أي من داخل الشعر فلم تكن سوى زيادته في أغراض ونقصانه في أغراض(10) أخر أي من خارجه.‏



وعلى ذلك فهو يدرك تشكل معاني الشعر الأندلسي بوساطة الخيال البديع لأن الخيال أداة الشعر الرئيسية التي يتشكل بها يقول: "كان الغالب على معنى الشعر الأندلسي الخيال البعيد فنشأ لهم ذلك من ولوعهم بالوصف وروعة أشكال الموصوف من جمال الطبيعيات والمصنوعات ولأن الخيال هو مادة الشعر الأصلية".(11)‏



كما يقول في أسلوب الشعراء الأندلسيين: "وكان لهم الغاية البعيدة والذوق السليم في صوغ المجاز والاستعارة"(12)، وكذلك ينبه على أثر الثقافة العربية والبيئة الجديدة والحياة الاجتماعية في أدبهم وخيالاتهم بيد أنه يقرر أنهم أقل من الشعراء المشارقة من دون موازنة حقيقية، فيذكر أن اللغة العربية قد أمدتهم "بفصاحة القول وجزالة اللفظ وحسن البيان"(13) وأكسبتهم معيشتهم الرغيدة "رقة ا لخيال والتفنن فيه ولطف الوجدان ودقة المعاني وروعة الألفاظ. غير أنهم مع كل هذا لم يشتهر فيهم من يبذ في البلاغة أمثال بشار وأبي فراس وأبي تمام والبحتري والمتنبي والمعري، بلاغة وجزالة، وفخامة معنى، ومتانة أسلوب"(14).‏



ويدرج الأستاذ أحمد حسن الزيات في كتابه "تاريخ الأدب العربي" الأدب الأندلسي أو الحديث عن الأندلس كله في ذيل العصر العباسي، وفي "لمحة وجيزة" -كما يقول- يصور آراء عصره المشبع بالرومانسية في الشعر الأندلسي فيتحدث عنه كأنه يذكر شاعراً معيناً فيجمع - متناقضاً-بين الافتنان في الخيال وتقليد المشرق، ويحدد التجديد في الموشحات التي استحالت -برأيه- إلى الزجل، ويبالغ في إبراز أثر البيئة الطبيعية وفي وصفها بريشة حالمة يقول: "وجد الشعراء العرب في أوربا مالم يجدوه في آسيا من الحياة المتنوعة والجواء المتغيرة والمناظر المختلفة والأمطار المتصلة والخمائل الجميلة والأدواح الظليلة والأنهار الروية والسهول الغنية والجبال المؤزرة بعميم النبت، والمروج المطرزة بألوان الزهر فصفت أذهانهم وسما وجدانهم وعذب بيانهم ووسعوا دائرة الأدب وهذبوا الشعر فتأنقوا في ألفاظه وتنوّقوا في معانيه ونوعوا في قوافيه وتفننوا في خياله ودبجوه تدبيج الزهر وسلسلوه سلسلة النهر وأكثروا من نظمه في البحور الخفيفة القصيرة حتى ضاقت أوزان العروض عما تقتضيه رقة الحضارة ورقي الغناء فاستحدثوا الموشح باللغة الفصحى، ثم تطور عند انحطاط الأدب واضمحلال أمر العرب إلى الزجل باللغة العامية.. إلا أن شعرهم- على الجملة- جار مجرى الشعر المشرقي، فلم تبعد حدوده، ولم يكسر قيوده إلا بمقدار -ما ذكرناه لك- من ابتداع الموشح وتنويع القافية"(15).‏



تتوالى تواريخ الأدب العربي في النقل عن سابقاتها أو عن المستشرقين من دون تمحيص حتى غدا الأدب الأندلسي مجالس طرب في مجالي الطبيعة الفاتنة وغدا شعرهم مادة للغناء أساساً، وهو -من جهة ثانية- مقلد للمشرق ولم يبلغ مداه، وبالغ بعض الدارسين في ذلك وأسرفوا في توهمهم وتشويههم الأدب الأندلسي وأصحابه من مثل الأستاذ بطرس البستاني في كتابه أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث"، فهو-مثلاً- ينعت الأندلس ببحبوحة العيش- وليست كلها كذلك- ثم ينتقل إلى توهم انحدار الأندلسيين جميعهم إلى مستنقعات الرذيلة والفحش، يقول: "وكانت الأندلس دار خصب وغنى، وموطن حضارة ولهو وجمال فانصرف أهلها إلى متع الحياة يتذوقونها فأسرفوا في طلب الملذات، وانغمسوا في حمأة الدعارة، وتهتك شاعرهم وكاتبهم فنطقت شفتاه بأفحش الأقوال، وتمادى في ذكر مجالس اللهو والخمر والتعهر غير متحوب ولا وجل"(16).‏



وهو كذلك يتحدث عن محبة الأندلسيين طبيعة بلدهم وأثرها في تجميل خيالاتهم فينسب الفضل إلى الطبيعة ويقصره عليها من دونهم في ذلك مع أن لخيال الشاعر الخلاق الأثر الأكبر في الإبداع والاختراع، يقول: "وَشَغَفُ الأندلسيين بالطبيعة منحهم خيالاً جميلاً وتشابيه حلوة، فكانت الرقة والنعومة ميزة أشعارهم والفضل في ذلك للأندلس وما لربوعها من تأثير في نفوسهم"(17).‏



إن كثيراً من هذه الأوصاف الواهمة تدل على عدم اطلاع أصحابها اطلاعاً كافياً على الأدب الأندلسي إذ يخالفون حقائق مشهورة كعناية الأندلسيين يتصيد المعاني والغوص عليها كما يقول ابن سعيد(18)، وكذلك وصم الشعر الأندلسي بأنه لمجرد الغناء مما يستبطن وراءه الزعم بضحالة الفكر الأندلسي، يقول "والشعر الأندلسي فيه رقة وجمال وفيه خيال لطيف، وصور براقة ملونة، ولكن ليس فيه من المعاني الدقيقة ما في الشعر العباسي لأن أصحابه عنوا بتزيين ألفاظه وتوشية أوصافه، والتنوق في قوالبه أكثر من عنايتهم بتصيد معانيه والغوص عليها في قراراتها البعيدة فكأنهم أرادوا أن يتغنوا فنظموه صالحاً للغناء"(19).‏



أما تقليد الشعراء الأندلسيين للشعراء المشارقة وتقصيرهم عنهم، واقتصار تجديدهم وتفوقهم على بعض الموضوعات أي في الإطار الخارجي ففي مثل قوله:"ولم يترك أهل الأندلس باباً من أبواب الشعر المعروفة إلا قرعوه ونوعوا أغراضه وفنونه، فمنه ما ترسموا به أهل المشرق فواطؤوهم في معانيهم وشاركوهم في أساليبهم وعارضوهم في مشهورات قصائدهم ولكنهم لم يبلغوا شأوهم ولا شقوا غبارهم، ومنه ما طبعوه بطابعهم الخاص وبذوا به المشارقة كوصف الطبيعة والعمران ورثاء الممالك البائدة"(20).‏



وأقف -هنا- وقفة مطولة بعض الشيء لأبين اختلاف آراء باحث كبير في الأدب العربي وتاريخه هو الدكتور شوقي ضيف بمرور الزمن في كتابين يفصل بينهما زهاء أربعين عاماً، أولهما: تأريخ فني للشعر العربي، هو الفن ومذاهبه في الشعر العربي وفيه خصص فصلاً للأندلس، وثانيهما تاريخ موسع للأدب العربي وفيه خصص كتاباً كبيراً للأندلس.‏



كان وكد الباحث في الكتاب الأول أن يؤكد تبعية بل عبودية الشعر الأندلسي للشعر المشرقي، وانحصار التجديد في الموشحات والأزجال؛ فضلاً عن بعض الأفكار الرومانسية كجمال الأندلس وترفها وكأنها مجرد روضة صغيرة، يقول: "لعل أهم مايميز الأندلس ترفها ونعيمها ووصف شعرائها لطبيعتها وحسن مناظرها فقد ذهبوا يتغنون بمشاهدها ومواطن الجمال والفتنة فيها ويشيدون بها أيما إشادة"(21).‏



أما المبالغة الشديدة في وصف الشعر الأندلسي بالتقليد الأعمى للمشرق وتكرير ذلك مراراً فلا يشابهه في ذلك أحد من الدارسين من هذا قوله: "الشعر في الأندلس: رأينا الأندلس تؤسس حياتها العقلية والأدبية على أسس مشرقية وجعلها ذلك تعيش في فنها وشعرها داخل الإطار المشرقي العام إذ كانت الفكرة الأساسية عند من يريد أن يكتب شعراً أن يكون شعره على نمط الشعر عند المشارقة من القدماء أو العباسيين ومعنى ذلك أن الشاعر الأندلسي لم يحاول أن يُخضع الشعر العربي لشخصيته بل رأيناه هويخضع له، فهو يخضع لموضوعاته المعروفة في المشرق كما يخضع لأفكاره ومعانيه وأخيلته وأساليبه"(22)، أما سبب ذلك فلأن "مثل الأندلسيين في الشعر هي نفس مثل المشارقة"(23).‏



يشمل هذا التقليد كل جوانب الحياة والشعر حتى شعر الطبيعة- أعظم ما لديهم- يقول:"فقد كانت الكتلة الأندلسية تنساق نحو تقليد المشرق بكل مافيه، وحتى شعر الطبيعة عندهم -لم يأتوا فيه بجديد سوى الكثرة، أما بعد ذلك فصورته كله بما فيها من أفكار وأخيلة وأساليب هي الصورة المشرقية... وما أراني أبعد إذا قلت إن الأندلس كانت تستمد نهضتها وحياتها من بغداد شأنها في ذلك شأن الأقاليم الأخرى....وإنها غرقت إلى آذانها في الثقافة العربية العامة التي نهضت بها بغداد... وإن الإنسان ليخيل إليه أن الأندلس كانت تقلد المشرق في جميع جوانب الحياة... إن الأندلسيين كانوا يعيشون على تقليد أهل المشرق"(24).‏



ويبالغ د.شوقي ضيف أيما مبالغة في أثر المشرق في الأندلس ومدى إغراق الشعراء الأندلسيين في الاعتماد الكلي على الشعراء المشارقة ولم ينج من التقليد أي عصر من العصور الأندلسية حتى ذروة الشعر الأندلسي في القرنين الرابع والخامس الهجريين؛ فهذا التقليد في رأيه القديم كان شعيرة شعرية من تركها فقد صبأ عن دين الشعر، وشمل التقليد داخل الشعر من معان وصور وأساليب، وخارجه من وزن وقافية وموضوعات وأغراض شعرية فلم يعد شعر الأندلسيين سوى تلفيق لمواد الشعر المشرقي وأدواته، وسبب ذلك هو عقم التفكير الفني عند العرب وعجزهم عن الابتكار والتجديد يقول: "كان الأندلسيون يولّون وجوههم -دائماً- نحو المشرق، يقلدون شعراءه في مذاهبهم ونماذجهم ولعله من أجل ذلك شاعت عندهم فكرة معارضة قصائد المشارقة... وعلى هذه الشاكلة يصوغ الشعراء قصائدهم على صورة القصائد العباسية وهي صورة لا تقف عند المشابهة في الوزن والروي بل تمتد إلى المشابهة في المعاني والأساليب وكأنما القصيدة في رأيهم ليست إلا تلفيقاً للمواد الفنية التي تركها العباسيون فهم يبدئون ويعيدون في المعاني والصور الموروثة دون أن يضيفوا إليها جديداً إلا قليلاً، إنما هي مواد وعناصر تتراكم وتتجمع فتحدث قصيدة ولكنها لا تحدث عملاً فنياً قيماً إلا في الندرة، أما الكثرة فإنها تصنع تحت تأثير المواد العتيقة وكان حرياً بالشعراء أن ينحّوا عن شعرهم كل ماهو عتيق غير أن التفكير الفني عند العرب كان قد فقد كل مقدرته على الابتكار والتجديد، ولذلك لم يستطع الأندلسيون أن يتجهوا بشعرهم إلى وجهات جديدة سوى ما سنراه -بعد قليل- عندهم من الموشحات والأزجال، أما بعد ذلك فالشعر الأندلسي باق على قديمه العربي سوى ماكان من تجديداته في أوزان موشحاتهم وأزجالهم، وهي تجديدات اضطرهم إليها الغناء اضطراراً، أما بعد ذلك فأساليبهم وصورهم هي نفس الأساليب والصور المشرقية. ونحن نبحث عبثاً إذا حاولنا أن نجد عند الأندلسيين رغبة في تغيير صياغة الشعر تغييراً تاماً بحيث تدفع بالشعراء إلى إحداث مذهب جديد وإنما هم يعيشون في الإطار الفني العباسي العام ومافيه من مذاهب الصنعة والتصنيع والتصنع يخلطون بين هذه المذاهب في غير نظام ولا نسق معين"(25).‏



ويصل الأمر به إلى الزعم بأن الشعر الأندلسي قد جمد وصار بلا حياة والشاعر مجرد ساكب على قوالب مشرقية جاهزة أي الحكم بموت الشعر الأندلسي يقول:"لم يستطع شعراء الأندلس أن يحدثوا مذهباً فنياً جديداً في الشعر العربي فقد جمدوا -غالباً- عند التقليد والصوغ على نماذج مشرقية"(26).‏



وأخيراً لا يكتفي د.ضيف بغرس كل تلك الفسائل الشائكة بل يحاول أن يقلع كل غرائس التجديد التي كانت تنمو وئيدة في وحول تلك الآراء العجيبة يقول:"والحق أنه ينبغي أن لا نتعلق بالفكرة الشائعة من أن الأندلس كان لها شخصية واضحة في تاريخ الشعر العربي، فإن هذه الشخصية تنحصر في كثرة الإنتاج وخاصة في شعر الطبيعة أما بعد ذلك فالأندلس تستعير من المشرق موضوعات شعرها ومعانيه وصوره وأساليبه وكل ما يتصل به استعارة تكاد تكون طبق الأصل"(27)!!..‏



لقد حكم د.ضيف على الشعر الأندلسي -في كتابه الأول- بالموت المبرم من دون وجه حق أما في كتابه الثاني "عصر الدول والإمارات- الأندلس" فتنقلب الصورة رأساً على عقب فتنتفي اللمحات الرومانسية إلى جمال الطبيعة وتتحول إلى معلومات جغرافية واقعية(28)وتنتهي عبارات التقليد الأعمى ويبتعد كثيراً عن النظر إلى المشرق بل يتحول إلى مدافع عن الأندلس ويحاول أن يرسم "هذه الصورة المستوعبة لأدب الأندلس مع تصحيح الأحكام المخطئة التي من شأنها الغض من مكانته الرفيعة"(29)، وليس هذا فحسب بل يذكر - ربما أول مرة- تفوق الأندلس في غرضي الغزل ووصف الطبيعة، يقول: "وأول غرض عرضه الغزل، وفيه تتفوق الأندلس -في رأينا- على جميع البلدان العربية... وتحول الفصل من الغزل إلى الطبيعة والخمر، وينّوه البحث دائماً بتفوق الأندلس على البلدان العربية في شعر الطبيعة، لما كان يتملى به الشاعر من جمال هذا الفردوس بجناته ورياضه وأزهاره ورياحينه وأنهاره، وما يجري فيها أو يتهادى من زوارق تزدان بالشموع ليلاً وكأن أهل الأندلس كانوا في عرس دائم ليلاً ونهاراً. وقد تغنى الشعراء الأندلسيون بجمال هذا الفردوس الأرضي وما يسكب في النفوس من سحر يروع القلوب والألباب على نحو ما هو معروف عن ابن خفاجة وتفجؤنا عنده وعند أضرابه من شعراء الطبيعة -بل عند جميع شعراء الأندلس في كل الأغراض الشعرية- صور في منتهى الروعة"(30).‏



بيد أنه في غمار البحث يلجأ إلى المنهج الوصفي وطريقة الاستيعاب، ويطامن كثيراً من قوله بتفوق الغزل الأندلسي؛ فأكثر ما يقول: "إن صور الغزل في قصائد الشعر الأندلسية "تأخذ نسقّاً أندلسياً جديداً ينعش الفكر بعبقه"(31). وكذلك فإن تنويهه الدائم بتفوق الأندلس في شعر الطبيعة على البلدان العربية لا نكاد نسمع له حساً في فصل شعراء الطبيعة ولا نكاد نجد له صدى -أيّ صدى- إلا في ترجمة ابن خفاجة(32) حيث يقول: "أحسّ بعناصر الطبيعة إحساساً عميقاً وهو إحساس تفرد به لا بين شعراء الأندلس وحدهم بل بين شعراء العربية جميعاً بحيث يعد أكبر شعراء الطبيعة عند العرب في مختلف عصورهم"(33).‏



لا تفارق تلك الصورة المشوهة والأوهام الخطيرة تواريخ الادب التالية المختصرة منها والمطولة على نسب متفاوتة؛ من تصوير للطبيعة الفاتنة وتوهم انصراف الناس إلى اللهو والسكر من جانب، ومن التناقض بين نعت الشعر الأندلسي بأنه ذو خيال رفيع وأنه مقلد للمشرق في الوقت نفسه من جانب آخر، من هذه التواريخ الوجيزة في الستينيات كتاب: "دراسات في الشعر العربي"، تأليف الأستاذ عطا بكري، ومثال على تصويره الطبيعة الأندلسية الجميلة الممتعة، وأثرها في تطوير الطبيعة الصناعية قوله:"لقد وجد العرب في الأندلس مالم يجدوه في أقطارهم الأخرى من نواحي الطبيعة المتعددة الصور والمناظر المتنوعة والأجواء المتغيرة، فقد كانت غزارة الأمطار ولطافة الجو واعتداله من الأسباب التي ألبست تلك البلاد حلة سندسية قشيبة فانتشرت السهول الممرعة الخضراء والجبال الشم المطرزة بأبهى ألوان الورود والوديان المعطرة بأجمل الأزهار الزاهية وجرت الأنهار الروية في كل مكان، وجادت الأرض المنبتة المعطاء عليهم بالغلات ووافر الخيرات حتى ظهرت على الأندلسيين معالم الغنى وفاحش الثراء فبنوا القصور المنيفة والدور العالية واعتنوا بتنظيم الحدائق وأكثروا من الأحواض والحمامات"(34).‏



ومثال على تصوير الحياة الاجتماعية الضاحكة والعابثة قوله: "أضف إلى ذلك ما اجتمع لدى أهل الأندلس من خفة الروح والظرف وحب الفكاهة والتندر والإقبال على الموسيقى والغناء والانغماس في اللهو والمرح والانغمار في كرع جامات الخمر وتعاطي المسكرات كيف لا وإن الكروم في بلادهم كثيرة ومزارعها منبثة في كل مكان"(35).‏



ومثال على التناقض الفكري في الأحكام في الصفحة الواحدة والتناقض بين نعت الخيال بالتقليد والإبداع معاً قوله: "قال شعراء الأندلس في مختلف الأغراض التي قال فيها الشعراء المشارقة... لم يبعدوا -كثيراً- عن المشارقة في أغراض الشعر ومعانيه"(36) وكان قد وصف أشعارهم بالمعاني المبتكرة في الصفحة ذاتها -إلى جانب ذكره التقليد يقول:"تتسم بالعذوبة والصفاء وصدق الوجدان وبالمعاني المبتكرة والتعابير الرشيقة والألفاظ الأنيقة والذوق النقي السليم والخيال الرائق الرفيع"(37).‏



ومن نماذج تواريخ الأدب العربي المدرسية كتاب: الرائد في الأدب العربي" للأستاذ نعيم الحمصي، وهو يمهره على أولى صفحاته بأنه "كتاب المدرس والطالب"، وفيه يتجاوز تصوير الأندلس بأنها موطن الجمال والخمر والخلاعة وأنه "لم يكن الشاعر الأندلسي يعنى -في الغالب- إلا بتصوير الجانب الضاحك الجميل من الطبيعة"(38) ويصل إلى درجة التناقض الفكري الكبير بين صفحات قلائل إذ يبدأ المؤلف بعرض مسيرة وجيزة للشعر الأندلسي يقسم الشعر فيها ثلاث مراحل؛ مرحلة التقليد ثم المنافسة ثم التجديد وهي مراحل مقبولة وإن كانت غير كاملة، وهي - على أية حال- مناسبة لطلاب المرحلة الثانوية العامة، ولكنه وقف عند المرحلة الأولى وسحب خصائصها التقليدية على سائر العصور الأندلسية وجميع الأغراض الشعرية ولم يف بوعده بأنه سيتحدث عنها بعد قليل. أما التجديد في الشعر الأندلسي -برأيه- فكان في موضوع شاذ هو الغزل بالمذكر مع أن هذه الظاهرة الشعرية الشائنة قد ظهرت في المشرق أولاً، أما تفوقهم فكان في بعض موضوعات الوصف ولا يكمل ذلك حتى يصم أكثر التشبيهات الأندلسية بأنها مبتذلة لا فضل لهم فيها سوى طريقة عرضها الجديدة، يقول في مقدمة حديثه:"كان أدباء الأندلس في بادئ الأمر يقلدون المشرق ثم تجاوزوا ذلك إلى منافسته ثم بدأ عندهم نوع من التجديد أو استقلال الشخصية الأدبية وتميزها مما سنتحدث عنه بعد قليل".(39)‏



فظننا خيراً وانتظرنا كثيراً فكانت النتيجة ليس كما وعد، فتجديد الشعر الأندلسي مقتصر على أنه "طرق بعض المواضيع والمعاني الخاصة التي لم يكن يبيحها العربي لنفسه من قبل في العهدين الجاهلي والإسلامي كالغزل بالمذكر مثلاً"(40) ثم يزعم أن الشعراء الأندلسيين قد اتبعوا الشعراء المشارقة في أغلب الأغراض الشعرية خلا الوصف في بعض أنواعه بيد أن "أكثر تشابيههم مبتذلة إلا أنهم يفتنّون في استخراج صورها البيانية، ووضعها في قوالب جديدة من التعبير.... ولم يتغير أسلوبهم في شعرهم عن أسلوب المشارقة"(41).‏



ومن تواريخ الأدب العربي المفصلة التي صدرت في سبعينيات هذا القرن كتاب "تاريخ الأدب العربي في الأندلس" تأليف الأستاذ "إبراهيم علي أبو الخشب"، وهو يقف وحيداً على الضفة الثانية في قبالة سائر مؤرخي الأدب العربي إذ يلبس مسوح المحاماة ليدافع عن الأدب الأندلسي ويثبت ماله وما عليه في يمنى صحائفه، ويسهب في الإطراء والمدح إسهاباً كثيراً ويبالغ في أحكامه بأسلوب إنشائي عال ورؤية رومانسية غارقة، يتحدث منذ المقدمة عن الأدب الأندلسي الذي شغل زهاء ثمانية قرون بتعميم شديد، كأنه يتحدث عن شاعر واحد مبدع فيكيل له الثناء كيلاً؛ فيصفه بأنه "عرف بخصوبة الخيال وألاقة البيان وروعة البلاغة وقوة الصياغة وحسن العرض ومتانة الأسلوب وجودة السبك وبراعة التصوير وسحر المعنى"(42).‏



يشمل هذا المديح جميع العصور التي مر بها الأدب الأندلسي من دون النظر إلى مراحل نشأته وتطوره وتراجعه فيرى الأدب بعين الرضى والمقة والإعجاب والميل والهوى والتعصب، يقول: "إن الدارس للأدب العربي بالأندلس ليأخذه العجب العاجب لتلك الروعة البيانية والميزة البلاغية والطلاوة الأدبية التي انفرد بها عن سواه من ألوان الأدب في سائر العصور التاريخية المختلفة"(43).‏



ويتطرق إلى المؤثرات المشرقية، ويعالج قضية استمدادهم الثقافي من أصحابها معالجة حماسية رومانسية غير أن المهم فيها أنه جعل الخيال وتجليه أهم دلائل الدفاع عن الأدب الأندلسي ونفي تهمة الاجترار والتقليد ومن ثم الحكم للأدب الأندلسي بالتجديد والروعة والخلود، يقول: "وأهل الأندلس إذا كانوا قد جعلوا المشارقة مثلهم الأعلى أو أساتذتهم الموجهين أو منارهم الهادي، فإن ذلك لا يعني أن أدبهم كان صورة جامدة أو مثالاً جافاً أو تقليداً أعمى أو غير مستقل كل الاستقلال أو بعضه فإن الخيال الرائع الذي نعثر عليه في الأدب الأندلسي والصور الجميلة التي نصادفها والتفكير السليم الذي نجده والألفاظ الحلوة التي نلتقي بها والأسلوب القوي الذي نقرؤه والإبداع النادر الذي نحصل عليه ترينا مقدار ما أسدى إلى الأدب العربي ذلك التراث من أياد لا نذكرها له إلا خلعنا عليه رداء من الثناء الخالد والمديح الخالص والإجلال البالغ والاحترام الزائد".(44)‏



ليس هذا فحسب بل يثبت تفوقهم الساحق على المشرق في ميدان الوصف بعبارات إنشائية تلفّ كل أحكامه وآرائه التي تجانف الحقائق بمبالغتها الكبيرة يقول إن "المشارقة لم يكن لهم في هذا الميدان من البراعة والدقةوالابتكار والتجديد والعبقرية والإلهام ماكان للأندلسيين الذين كان شعرهم فيه سيد الشعر وقولهم فيه أربى على السحر ويظهر أن جمال البيئة وطيب المناخ ساعدتهم على أن يأتوا فيه بالوحي الذي لا يكذب والآيات التي لا ترد والإبداع الذي يتجاوز قدرة الناس"(45).‏



والذي أراه أن الباحث لو التزم القصد في آرائه والاعتدال في أحكامه لأضفى عليهما طابعاً أكبر من المعقولية ومن ثم أدخلهما حيز القبول ففي الشعر الأندلسي غنى عن هذه المبالغات وفيه مايكفي لإقرار وجوده زهرة مميزة بأريج الخيال في حدائق الشعر العربي.‏



وأوسع تاريخ للأدب الأندلسي حتى الوقت الحاضر صدر في ثمانينيات هذا القرن هو "تاريخ الأدب العربي" للدكتور عمر فروخ الذي خص المغرب العربي والأندلس معاً بالقسم الثاني في الأجزاء الرابع والخامس والسادس من كتابه، وهوإلى معاجم التراجم أقرب منه إلى التاريخ الأدبي وإن كان يستهل كل مرحلة زمانية في كل عصر أندلسي ببحث عنها قد يطول وقد يقصر، وكان شبح تقليد الأندلس للمشرق يسيطر على الجزء الرابع ولكنه يضمحل كثيراً في القسم الأول من الجزء الخامس أي في مقدمة تراجمه عن الشعراء والناثرين في عصر المرابطين ثم يتلاشى في القسم الثاني أي في عصر الموحدين وتمّحي تماماً في الجزء السادس -أي في عصر بني نصر في الأندلس- تلك الموازنة بين المشرق والأندلس وتقتصر المعالجة الأدبية على بعض الظواهر الحديثة في الشعر مما يرجح اقترابه أكثر فأكثر إلى كتب التراجم وتغير نظرته إلى الأدب الأندلسي فيما يتعلق بالتقليد والتجديد أو انعدام الشواهد الدالةعلى ذلك. لقد كثرت المقدمات في الجزء الرابع وتباينت في تأكيدها التقليد من دون مراعاة المراحل الزمنية إذ حجب ضباب الحماسة مجال الرؤية الصحيح ومنذ الاستهلال بالكلمة الأولى قبل "المقدمة" ينص على تقليد الأندلس عامة للمشرق حتى فيما اتفق النقاد على تجديدها فيه وهو الموشح، يقول: "يجب ألا يستغرب القارئ إذا قلتُ له إن الأدب الأندلسي (وخصوصاً في النثر) كان تقليداً واضحاً للأدب المشرقي إذ كان الأدب المشرقي هو المثال الذي اقتدى به المغاربة في إنشاء أدبهم، لاشك في أن الموشح فن مغربي (أندلسي) ولكن خصائص مغربية كثيرة اجتمعت في الموشحات كانت مشرقية في أصولها"(46).‏



من ثم نجده يصف الشعر في عصر الإمارة بأن "الخصائص العامة من الفنون والأغراض والأسلوب ظلت كلها مشرقية"(47)، ثم يقسمه قسمين؛ الأول: بقية القرن الثاني وأكثر أصحابه من المشرقيين الطارئين على الأندلس والثاني: القرن الثالث؛ وفيه يخرج عن رأيه السابق ليقول:"ومع أن خصائص هؤلاء الشعراء كانت لا تزال في الأكثر مشرقية تجري في نطاق الشعر الجاهلي أو الشعر الأموي أو الشعر العباسي فإن نفراً منهم قد خرج عن نطاق التقليد وعن شعر الحماسة إلى فنون منها الرثاء والوصف والغزل والخمر. وإذا كان بعض الشعراء في الأندلس قد فارق عدداً من خصائصه المشرقية فإن النثر ظل -أبداً- مشرقياً.... ثم إن الشعر عند عدّه فناً وجدانياً شخصياً -أكثر من النثر في العادة- قد تأثر بالبيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية في الأندلس إلى حد بعيد"(48).‏



وفضلاً عن هذا التناقض اليسير نجده في القرن التالي يرسخ سمات التقليد ويغفل بوادر التجديد التي ذكرها سابقاً؛ فإذا كان الشعر أكثر تأثراً بالبيئة الطبيعية والاجتماعية الجديدة في الأندلس واستطاع في الشطر الثاني من عصر الإمارة أن يكسر بعض قيود التقليد المشرقية فمن المنطقي أن التأثر بالبيئة الأندلسية أكثر والتحلل من تلك القيود أكبر بمرور الزمن وإقامة الخلافة الأندلسية سنة 316ه نداً تعارض المشرقية، ولكن د.فروخ لم ير هذا الرأي واستمر في تعميق الأثر المشرقي، يقول:"لم يختلف الأدب الأندلسي في الشعر والنثر من الأدب المشرقي-في خصائصه المعنوية وخصائصه اللفظية- اختلافاً ظاهراً"(49). وكذلك الأمر في عصر ملوك الطوائف فما زالت الفنون والأغراض الأندلسية هي نفسها -برأيه- الفنون المشرقية ولكن "الأندلسيين عالجوا هذه الفنون وهذه الأغراض نفسها معالجة جديدة من حيث المقدار لا من حيث النوع، لقدأكثروا من التشخيص (إضفاء صفات الأحياء على الكائنات الجامدة) ومن سعة الخيال. أما فيما عدا ذَيْنِكَ فإن النَفَس المشرقي العربي والأثر المشرقي الفارسي- من خلال النفس العربي -ظلا يسريان في الأدب الأندلسي"(50). ويظفر عصر المرابطين بإشارة يسيرة إلى استمرار التقليد فيرى أن "التقليد ظل بادياً على قصائد هؤلاء الشعراء وخصوصاً من أثر ديوان المتنبي وديوان المعري المشرقيين ولم تكتسب القصائد المقلدة كثيراً من صحة الشعر المشرقي ومتانته"(51). ويخلو عصرا الموحدين وبني نصر من أية إشارة إلى ذلك ولعل في هذا تراجعاً في الرأي وهروباً من تغير الحكم بالصمت عنه.‏



ومما يتعلق بتأريخ الأدب العربي تأريخ الفنون الشعرية وأقرب الفنون الشعرية إلى الخيال هو الوصف ووصف الطبيعة خاصة وهو غزير في الشعر الأندلسي، وأقف عند كتابين في الوصف أولهما:‏



كتاب "شعر الطبيعة في الأدب العربي" للدكتور سيد نوفل وفيه يطالعنا برأي غريب جرّه إلى نتيجة التقليد، ففي الفصل الذي خصصه للشعر الأندلسي يقول:"وحين فتح العرب الأندلس كانوا قلة بين سكانها فعاشوا بلغتهم بين جمهرة لا تعرفها وظلوا كعرب فارس ومستعربيها يعيشون بأفكارهم في البيئة العربية الأولى وإن أقاموا في الأندلس الأوربية وصار أدبهم صدى للأدب الشرقي وظل شعراء الشرق يرحلون إليهم فيشبعون آذانهم وقلوبهم"(52) ثم يفصل القول بالتقليد بحسب العصور من دون الاعتماد على دلائل كافية فيجعل الأدب الأندلسي حتى بداية القرن الخامس الهجري تقليدياً ثم هو مترجح بين التقليد والتجديد في القرن الخامس أمّا التجديد عنده فيبدأ في القرن السادس الهجري!!، وربما لا يكون لهذا التقسيم أهمية تذكر -في الوقت الحاضر-إلا أن عدداً من الدارسين نقلوا عنه هذه القسمة الضيزى وجروا عليها يقول: "فعصر الأمويين الذي امتد إلى أوائل القرن الخامس الهجري يمثل في الأندلس شعر التقليد لأدب الشرق لأن العربية لماتكن قد تكوّن لها مزاج خاص في هذه البيئة وإنما كانت تعيش غريبة على حساب وطنها الأصلي. ومن هنا اجتمع لها من معاني الطبيعة القديمة والحديثة ما اجتمع للبيئة المشرقية في غير مخصصات ولا مميزات إقليمية واضحة، ولهذا نرى شعر ابن عبدربه وابن هانئ(53) وابن شهيد(54) وابن دارج القسطلي(55) ومؤمن بن سعيد(56) ويحيى بن الفضل(57) وإدريس بن عبد ربه(58) وغريب بن سعيد وغيرهم شعراً شرقياً في أسلوبه ومعانيه. وإذا كان القرن الخامس وجدنا الشعراء يصدرون عن الحاضر ويمثلون النفس ومشاعرها والبيئة مع الأخذ بحظ من التقليد فإذا انتهى هذا القرن تم انتصار الجديد وكان مظهر هذا الانتصار واضحاً في كتابات ابن بسام والفتح بن خاقان كما كان واضحاً بالمشرق في كتابات الثعالبي قبل هذا بنحو قرن، ويتمثل شعر القرن الخامس في آثار ابن برد الأصغر(59) وابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد وابن الحداد والأعمى التطيلي(60) ومن إليهم من شعراء الطوائف الذين يجمعون طرافة البيئة إلى معاني السابقين. أما شعر الأندلس الذي يمثل البيئة وتجتمع له الحداثة والجدة فيجب أن نلتمسه عند الشعراء المتأخرين في القرن السادس ومابعده عند ابن حمديس(61) وابن عبدون(62) وابن خفاجة وابن وهبون(63) وابن سهل الإسرائيلي ولسان الدين بن الخطيب وغيرهم"(64).‏



والكتاب الثاني من كتب تواريخ الفنون الشعرية الذي أقف عليه هو: "فن الوصف وتطوره في الشعر العربي" للأستاذ إيليا حاوي، وهو من جملة الكتب العامة غير المختصة بالأندلس تتبدى فيه عقابيل تلك المرحلة الرومانسية في وصف طبيعة الأندلس كقوله: "وكل ما في الأندلس يدعو الشعراء إلى هذا الطريق: من ثراء واسع وعمران إلى رياض وبقاع دائمة النضرة لا تخلع ثوباً من الاخضرار إلا لترتدي أروع وأزهى"(65). وكذلك القول بالتقليد والتبعية للمشرق فهو يرى "اتصال خط التبعية والتقليد بين الشعر الأندلسي والشعر المشرقي"(66).‏



(1) الرافعي- تاريخ آداب العرب- 3/253.‏



(2) المرجع نفسه 3/254.‏



(3) السواد: كل عدد كثير.‏



(4) المرجع نفسه 3/296.‏



(5) المرجع نفسه 3/296.‏



(6) المرجع نفسه 3/296-297.‏



(7) تجانف: جانب. تباعد.‏



(Cool الإسكندري: تاريخ آداب اللغة العربية، ص4.‏



(9) المرجع نفسه ص 27.‏



(10) انظر ص 28-29 من المرجع نفسه، وانظر إلى التناقض بين ص 27-ص30.‏



(11) المرجع نفسه ص 30.‏



(12) المرجع نفسه ص 30.‏



(13) المرجع نفسه ص 26.‏



(14) المرجع نفسه ص27.‏



(15) الزيات - تاريخ الأدب العربي ص293-294.‏



(16) البستاني - أدباء العرب في الأندلس - ص 35-36.‏



(17) المرجع نفسه ص 83.‏



(18) ابن سعيد المغربي (610-685 ه = 1214-1286م).‏



علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي المدلجي، أبو الحسن، نور الدين من ذرية عمار بن ياسر، مؤرخ أندلسي من الشعراء العلماء بالأدب. ولد بقلعة يحصب قرب غرناطة ونشأ واشتهر بغرناطة، قام برحلة طويلة زار بها مصر والعراق والشام وتوفي بتونس، وقيل في دمشق. من تآليفه: المشرق في حلى المشرق- خ و"المغرب في حلى المغرب-ط" أربعة مجلدات منه طبع منها جزآن وهو تصنيف جماعة آخرهم ابن سعيد و"المرقصات والمطربات-ط" في الأدب و"الغصون اليانعة في شعراء المئة السابعة-ط"، والمقتطف من أزهار الطرف-ط، و"الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد"، تاريخ بيته وبلده وديوان شعره"، ووصف الكون-خ، وبسط الأرض-خ كلاهما في الجغرافية، والقدح المعلى-ط، اختصاره في تراجم بعض شعراء الأندلس، ورايات المبرزين -ط انتقاه من "المغرب"، وأخباره كثيرة، وشعره رقيق جزل-الزركلي- الأعلام 5/26.‏



(19) البستاني- أدباء العرب في الأندلس ص 39.‏



(20) المرجع نفسه ص 40.‏



(21) ضيف؛ د.شوقي- الفن ومذاهبه في الشعر العربي ص 411.‏



(22) المرجع نفسه ص 417.‏



(23) المرجع نفسه ص417.‏



(24) المرجع نفسه ص412،417.‏



(25) المرجع نفسه ص 435-436.‏



(26) المرجع نفسه ص450.‏



(27) المرجع نفسه ص438.‏



(28) ضيف؛ د.شوقي - عصر الدول والإمارات- الأندلس ص 13.‏



(29) المرجع نفسه ص12.‏



(30) المرجع نفسه ص7،8.‏



(31) المرجع نفسه ص264.‏



(32) "ابن خفاجة (450- 533ه = 1058-1138م)،‏



إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الهواري الأندلسي شاعر غزل من الكتاب البلغاء. غلب على شعره وصف الرياض ومناظر الطبيعة وهو من أهل جزيرة شقر Alcira من أعمال بلنسية في شرقي الأندلس لم يتعرض لاستماحة ملوك الطوائف مع تهافتهم على الأدب وأهله له "ديوان شعر -ط"، الزركلي - الأعلام 1/57.‏



(33) المرجع نفسه ص 320.‏



(34) بكري- دراسات في الشعر العربي ص 44.‏



(35) المرجع نفسه ص 46.‏



(36) المرجع نفسه ص46.‏



(37) المرجع نفسه ص46.‏



(38) الحمصي- الرائد في الأدب العربي ص 563.‏



(39) المرجع نفسه ص560.‏



(40) المرجع نفسه ص560.‏



(41) المرجع نفسه ص563.‏



(42) أبو الخشب - تاريخ الأدب العربي في الأندلس ص 5.‏



(43) المرجع نفسه ص61.‏



(44) المرجع نفسه ص70.‏



(45) المرجع نفسه ص167.‏



(46) فروخ- تاريخ الأدب العربي 4/6.‏



(47) المرجع نفسه ص 4/64.‏



(48) المرجع نفسه ص4/75.‏



(49) المرجع نفسه ص4/194.‏



(50) المرجع نفسه ص 4/397.‏



(51) المرجع نفسه ص5/43.‏



(52) نوفل - شعر الطبيعة في الأدب العربي ص 249.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشعر الاندلسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» * كيف نلائم قصة الشعر لشكل الوجه؟ *
» نصائح مفيده لتصفيف الشعر في الطقس الحار

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نـــــــار الحـــــــب :: & الـمـنـتـدى الـعـام | General Forum & :: قسم الشعر و الادب-
انتقل الى: