موضوع: * كيف تتعلمون قول كلمة لا لطفلكم ؟ * الأحد 25 يوليو 2010 - 12:16
حب الأبناء ومساعدتهم على النمو بتناغم وانسجام كلّ ما يتمناه الوالدان ، ورغبتهما في تقديم كل ما يحتاج إليه أولادهما لرؤيتهم ينجحون أمر منطقي، لكن من المهم على حدّ سواء فرض حدود عليهم عبر تعلّم قول {لا}. لمَ يجب تعلّم قول {لا} لأولادنا؟ رفض طلب طفل يعني أولاً تعليمه الاختلاف عن الآخرين . فعندما نقول له {لا}، نعني بذلك أننا مختلفون عنه ، وأننا شخص آخر . عندئذ يستطيع التميّز عن الآخرين والشعور بأنه يتمتع بشخصية منفردة خاصة به . يساعده ذلك بالتالي على الانفصال عن والديه . عندما تقولين {لا}، تساعدينه على الاستقلال بشكل طبيعي .
وماذا لو أن الآباء لا يرفضون له طلباً؟ يصبح من الصعب على الطفل الاستقلال ذاتياً حين يلبي الآباء جميع طلباته لكي يحظوا بإعجابه . فضلاً عن ذلك، حين نقول {نعم}، نترك طفلنا تحت ضغط انفعالاته الآنية. فحين يرى كل رغباته مجابة ، يصبح عبداً لها ، ويفقد بالتالي حرّيته في الاختيار. وفي النهاية ، ستسيطر عليه حالاته العاطفية الآنية . ]يريد الطفل كل شيء وفوراً ، ولا يتعلّم بأن رغبته قد تختلف، أو تتغيّر كلياً . من هذا المنطلق، يصبح سجين التكرار . فمثلاً ، إن كان لا يريد سوى تناول البيتزا ، والوالدان يوافقانه في ذلك ، يصبح سجين رغبته . فلا يكتشف أطعمة أو نكهات أخرى . بنتيجة الأمر ، قد يتحوّل إلى راشد عاجز عن تقبّل الحدود التي تفرضها عليه الحياة ، الأمر الذي يجعله يميل إلى التعبير عن مزيد من الغضب ، والعنف ، والإصابة بالاكتئاب . علاوةً على ذلك ، لا يصبح الطفل الذي لا نرد له طلباً سجين رغباته فحسب ، وإنما أيضاً مخاوفه ، لأنه غالباً عندما يرغب في شيء ما ، فذلك لأنه يخشى التغيير. هكذا، عبر تلبية جميع طلباته ، يغذّي الآباء بذلك مخاوف الطفل ويعزّزونها . عندئذ يستسلم الأولاد الأكثر ارتباكاً الذين لا نرفض لهم طلباً لمخاوفهم . خذوا مثال المدرسة . يخاف أولاد كثر بدايةً من الذهاب إلى المدرسة ، الانفصال عن والديهم، ومواجهة أطفال آخرين . مع ذلك، يقاوم الآباء عبر القول ، {لا، لا تستطيع البقاء في المنزل} ، الأمر الذي يساعد على تطوير شخصية الطفل في الحضانة عموماً . على الآباء أن يكونوا واثقين من صوابية قول {لا}... لا شك في أن اقتناع الآباء بأداء دور المربّي يسمح لهم بقول {لا} بشكل صريح وغير قابل للنقاش . أمّا إن واصلوا التفكير بالطريقة عينها : {أعجز عن قول لا، لأنني أخاف من فقدان حب طفلي} ، فهم يتخلون بذلك عن الدور الأبوي. لذلك علينا أن نثق في حب أبنائنا لكي يثقوا بدورهم في الحب الذي نكنّه لهم. يستطيع الوالدان قول {لا} أيضاً بفضل الثقة التي يضعها الطفل فيهما. تسمح له تلك الثقة بتحمّل الاستياء الناجم عن رد طلبه. فإن عرف بأنه يحظى بحبّكما، يستطيع تحمّل جواب الرفض هذا، لمعرفته بأن عاطفتكما تجاهه لا تهتز مطلقاً. من المهم أيضاً أن يتعلّم ذلك، أي يستطيع الآخرون ردّ طلبه حتّى لو كانوا يقدّرونه. وعندما يصبح راشداً، سيمكّنه ذلك من تقبّل رفض الآخرين من دون الاعتقاد بأنه موضع شك أو منبوذ من الغير.
حين نقول {لا} في الوقت المناسب، ماذا يدور في فكر الطفل؟ نتصوّر غالباً بأنه من الضروري قول {لا} للطفل لإثارة الامتعاض في نفسه كي يتعلّم هذا الشعور . هذا صحيح ولكنه ليس الهدف الأهم . الأهم هو وجه كلمة {لا} المحرّر. سيفهم الطفل بأن الرفض يجعله ينفتح على أمور أخرى ويكتشف بأن الأمر ليس بذلك السوء . إن لم يكن الوالدان قد ردّا طلبه، ما كان ليعرف بأن ذلك ممكن. فإن قالت له والدته : {لا، لا يمكنك مشاهدة التلفزيون بعد ظهر اليوم}، يستطيع القيام بشيء آخر كاختراع لعبة لما وُجدت لولا كلمة {لا}. نستطيع أيضاً أخذ مثال فتاة صغيرة كانت ترغب في تقديم بكالوريا مهنية، لكن والديها أجبراها على البقاء في البكالوريا العامة. ها هي تقول اليوم : {أنا مسرورة لأنني لم أنتقل إلى البكالوريا المهنية}. سمح لها رفض والديها بلا شك بمواجهة خوفها بعدم النجاح، وتعزيز ثقتها بنفسها، ورؤية نفسها قادرة على أكثر مما كانت تتصوّره ، فضلاً عن أنه فتح لها باباً بدا لها مقفلاً . وفي مثال آخر، يقول الوالدان : {لا ، لن تنقطعي عن أخذ دروس في الكمان في منتصف العام}. فنراها تقول بعد سنوات لاحقة : {لحسن الحظ أنكما أجبرتماني على مواصلة ذلك لأن عزف الموسيقى متعة كبيرة في حياتي}. فضلاً عن ذلك، حين نرفض طلب طفل، عليه الاستعانة بموارده الخاصة، لاكتشافها وتطويرها. لا نكتشف احتمالات جديدة إلا حين نكون عاجزين عن الوصول إلى الأخرى. [b]مع ذلك، ثمّة آباء يقولون غالباً {لا}، أليس كذلك؟ ما يؤذي الطفل رفض أهله تلبية رغباته للتحكّم به ، وفرض رأيهم عليه وليس لتربيته وتعليمه النضوج . نحن ههنا أمام لعبة سلطة وليس عملية تعليم تتم بحب . مع ذلك ، لا يستطيع الطفل حتماً نيل كل شيء فوراً. ليصبح راشداً، عليه تعلّم الصبر. ذلك واقع حياتي عليه فهمه كي يتمكن من العيش بسعادة ، ويصبح قادراً على استثمار طاقته في مشروع لن يتحقق إلا بعد حين ، وأحياناً بعد سنوات عدّة. مثال على ذلك متابعة الدراسات العليا . فعبر رفض جميع طلباته فوراً ، يعلّمه الوالدان تلك القدرة على التريّث . [/b]